الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

النقائض

النقائض

النقائض في اللغة

نقض الشيء: أفسده بعد احكامه، قال تعالى: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، والنقائض هي جمع النقيضة، وهي من الشعر : القصيدة ينقض بها الشاعر ما قاله شاعر آخر.

النقائض في الإصطلاح

ويذكر عمر فروخ أنها قصيدة يرد بها شاعر على قصيدة لخصم له، فينقض معانيها عليه، ويقلب فخز خصمه هجاء، وينسب الفخر الصحيح إلى نفسه هو، وتكون النقيضة عادة من بحر قصيدة الخصم وعلى رويها.

نشأة النقائض:

فن النقائض هي في الأصل الهجاء، والهجاء القبلي في الجاهلية هو الذي استمر وظهر في العصر الأموي بشكل النقائض من حيث الفن،  وكانت النقائض في العصر الأموي يبعثها عادة خلاف بين قبيلتين أو أسرتين، فينتصر شاعر لقومه أو لأحلاف قومه، فيرد عليه شاعر من هؤلاء، فيعود الأول إلى الرد عليه، ثم يلتحم الهجاء ويستطير، وأذكى هذه النزعة في الشعراء قيام الأحزاب وتقرب هؤلاء الشعراء إلى الخلفاء والأمراء بهجاء خصومهم تكسبا للمال.

الطرق التي سلكها الشعراء في فن النقائض:

هناك عدة طرق ومسالك التي سلكها الشعراء في شعر النقائض، وهي:
1-   تكون النقيضة عادة من بحر قصيدة الخصم وعلى رويها، مثل الأخطل يقول (من البحر البسيط على روي الراء المضمومة):
خف القطين فراحوا منك أو بكروا                   وأزعحتهم نوى في صرفها غير
فأجابه جرير (من نفس البحر وعلى نفس الروي):
قل للديار سقي أطلالك المطر                        قد هجت شوقا وماذا تنفع الذكر
2-   وقد تختلف أحيانا حركة الروي في النقائض كقول الفرزدق (من البحر الكامل على اللام المضمومة):
ان الذي سمك السماء بنى لنا                          بيتا دعائمه أعز وأطول
فأجابه جرير (من البحر نفسه ولكن على اللام المكسورة):
لـــمن الديـار كأنــها لم تحلل                          بين الكناس وبين طلح الأعزل
إذا قال أحد الخصمين قصيدة جديدة (ولو كانت استمرارا لمهاجاة قديمة) فانه ينظمها عادة من بحر جديد وعلى روي جديد، إلا أن خصمه إذا رد على هذه القصيدة الجديدة تقيد ببحرها ورويها.
3-   وربما يشترك في المناقضة بضعة شعراء، ومن ذلك مثلا قول الفرزدق يخاطب جريرا:
يا ابن المزاغة والهجاء إذا التقت           أعناقه وتماحك الخصمان
فقال الجرير يرد على الفرزدق:
لمن الديار ببرقة الروحان                    إذ لا نبيع زماننا بزمان
وقال الأخطل يرد على جرير أيضا:
بكر العوازل يبتدرن ملامتي                          والعالمون، وكلهم يلحاني
4-   المختار في النقائض ان تكون طوالا
5-   في النقائض يفتخر الشاعر بنفسه وبقومه، وبفضائل نفسه كالشعر والكرم والشجاعة، ثم بأحساب قومه كالحروب التي انتصرو فيها والعهود التي وفوا بها، والمحاسن التي أتواها من الكرم والدفاع عن الأعراض والقيام بشأن القبيلة وما إلى ذلك.
6-   وينقب الشاعر في فن النقائض عن معايب خصمه وقوم خصمه فيذكرهم جميعا بالعي والبخل والجبن، حقا أو باطلا، ويذكر ايضا الحروب التي هزموا فيها والعهود التي نقضوها والمخازي التي عرضت لهم.
7-   وفي النقائض اقذاع شديد وفحش وبذاءة، إلا أن المتناقضين قد تعرضوا دائما للعيوب الخلقية النفيسة كالبخل والجبن والغدر والزنا، ولم يتعرضوا للعيوب الجسدية كالعرج والعور إلا نادرا.
8-   قد يمدح الشاعر خليفة أو أميرا بقصيدة يعرض فيها أيضا لهجاء خصمه أو للرد عليه فتكون نقيضة
9-   وقد يرثى الشاعر امرأته ثم يهجو خصومه كما فعل جرير.

أهمية النقائض:

وللنقائض عدة أهميات من ناحيات شتى، فهي مهمة من حيث السياسة، والإجتماع، واللغة، والأدب.

أهمية النقائض من حيث السياسة

صورت النقائض النزاع السياسي على الخلافة بين الامويين وبين خصومهم، ومع أن الاموين قد انتصروا في هذا النزاع انتصارا حاسما، ومع أن الأحزاب السياسية الاخرى قد فقدت قوتها الفعالة.
والشعراء الذين دخلوا في هذا النزاع لم يدخلوه وهم يحملون عقيدة أموية أو زبيرية أو علوية، وانما دخلوه للتكسب في الدرجة الاولى، حتى ان الشعراء الزبيريين انقلبوا بعد ذلك الامويين، وكذلك الاخطل النصراني مدح الخلفاء مدائح اسلامية الطابع تناقض عقيدته الدينية.

أهمية النقائض من حيث الاجتماع

ان مجموع الشعر الاموي يدلنا على ان البداوة ظلت غالبة علي المجتمع الاموي، وان الشعر الاموي مملوء بالمفاخر الجاهلية والبدوية كالفخر بالانساب وبأيام العرب وبالكلام على الثأر.
وظل شعراء المناقضات يعدون  الحياة الحضرية في باب معايب القومية، إلا أن الشعر الاموي امتلأ أيضا بالألفاظ الاسلامية و الآراء الاسلامية.

أهمية النقائض من حيث اللغة

وللنقائض قيمة لغوية، فشعراء المناقضات قد حفظوا اللغة  العربية صافية كما كانت في الجاهلية، فقد حفظوا العدد الاوفر من الالفاظ، وكذالك راعوا جزالة الالفاظ، وكذالك التراكيب وجدناها متينة تجري على الاسلو العربي القديم.

أهمية النقائض من حيث الأدب

كانت النقائض تقليدا واضحا للمعلقات خاصة في شكل القصيدة وفي كثرة أغراضها وطول نفسها وفي كثيرة من خصائص أخرى كالفخر بالانساب والهجاء القبلي والنسيب في مطالع القصائد وكالغزل البدوى عفيفا وصريحا، فانها كانت اكثر لصوقا بالجاهلية؛ لأن الشعراء كانوا معجبين بالشعراء الجاهلين يتخذون أئمة وهداة ويحتذون اشعارهم ويحاكون خصائصهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق