الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

خصائص الشعر الجاهلي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنواع الشعر

من المعروف أن للشعر أنواع مختلفة، بعض منها قصصي، وبعض منها تمثيلي، وبعض منها تعليمي، وبعض منها غنائي.

الشعر القصصي

فالشعر القصصي هو الذي يشتمل على قصائد طويلة، وهو في الحقيقة قصة، ولكنه كتب شعرا فسمي شعرا قصصيا، ولكثير من الأمم قصائد قصصية، فللرومان "الإنيادة" لقرجيل، وللهنود "الرمايانا والمهابهاراتا، وللفرس "الشهنامه" للفردوسي، وللألمان "أنشودة الظلام"، وللفرنسين "أنشودة رولان".

الشعر التعليمي

والشعر التعليمي هو الذي يشتمل على معارف وعلوم، وفي هذا النوع نعد "الأعمال والأيام" لـ "هزيود" الشاعر اليوناني، وهو يصور فيها السنة والحياة الريفة، و"فن الشعر" لـ "هوراس" الشاعر الروماني، الذي نظمها في قواعد الشعر ونقده، وفي المجال هذا "أبان بن عبد الحميد" شاعر البرامكة الذي نظم أحكام الصوم والزكاة في قصيدته.

الشعر التمثيلي

والشعر التمثيلي هو الذي يشتمل على مسرح، وعلى حوار طويل بين الأشخاص الذي تتخلله مشاهد ومناظر مختلفة.
وهذه الأنواع الثلاثة لم يعرفها الشعراء الجاهليون، وليس لنا أن نطلق هذه الأصناف على الأشعار الجاهلية، لأن أشعارهم قصيرة، قلما تجاوزت مائة بيت، ولأنهم لا يتحدثون عن مشاعره وأحاسيسه، وإنما يتحدثون عن أشياء خارجة عنه.

الشعر الغنائي

ولكن هناك الضرب الثالث الذي يمكن لنا أن ننسب إليه الأشعار الجاهلية، وهو الشعر الغنائي، لأن مدار هذا الضرب حول مشاعر الشاعر وعواطفه، فالشاعر قد يكون فرحًا و وقد يكون حزينًا فيصور أحاسيسه شعرًا، وقد وجد من قديم عند اليونان، إذا عرفوا المدح والهجاء والغزل ووصف الطبيعة والرثاء، وكان يصحب عندهم بآلة موسيقية يعزف عليها تسمّى لير(Lyre)، ومن سموه "Lyric" أي: الغنائي.
فإذا نقول أن الشعر الجاهلي كله شعر غنائي فليس هذا ببعيد، لأنا نرى أن الشعراء الجاهليون يتحمسون أويفخرون أويمدحون أويهجون أويتغزلون أويرثون أويتعذرون أويعاتبون أويصفون، وهذا كله من خصائص الشعر الغنائي، لأن الشعر الغنائي صنف ذاتي يصور نفسية الفرد ويختلج من أحاسيس وعواطف.

أنواع الشعراء من حيث البدوي والقروي

وكان في الشعراء الجاهليون فريقان: بعض منهم بدوي، وبعض منهم قروي، ولكن الأشعار الجاهلية أكثرها تدور مع شعراء البادية، وهم الذين فيهم أكثر فحول الشعر، ولم يعترف الجاهليون ولا علماء الشعر المسلمون بتقدم شاعر قروي على شعراء البادية، ولهذا الأشعار الجاهلية أكثرها مرأة للحياة البدوية، وهي تدور حول البادية من الجمل والطلل، إلا قليلا من ألوان الحضر التي عرضت في أشعار الشعراء الذين ذهبوا إلى بلاطات فارس والشام والعراق.

خصائص الشعر الجاهلي

وخصائص الشعر الجاهلي تنقسم إلى اثنين:
الخصائص اللفظية
الخصائص المعنوية

الخصائص اللفظية

فأولا نذكر خصائص الشعر الجاهلي اللفظية، وهي:

الأولى: غرابة الألفاظ

إذا قرأنا نحن اليوم بعض الشعر الجاهلي وقعنا في أكثره على كلمات غريبة، وهي كلمات غير مألوفة في مخاطباتنا وكتاباتنا في عصرنا هذا، ولكن تلك الكلمات كانت يومذاك فصيحة مالوفة مانوسة، فإذا انقطع ما بيننا وبين هذا النوع من الحياة انقطعت الصلة بيننا وبين هذه الكلمات أيضًا.

الثانية: متانة التركيب وبلاغة الأداء

التركيبات في الشعر الجاهلي متينة، صحيحة، بحرية على قواعد اللغة العربية، لاضعف فيه من تقديم لفظ في غير محله أو تأخير لفظة إلى غير مكانها، أو زيادة لا فائدة فيها، أو حذف لغير سبب نحوي.
وتراكيبه أيضًا بليغة تؤدي المعاني المقصودة منها في الأحوال المناسبة حقيقة ومجازًا بتشابيه واستعارات وكنايات.

الثالثة: العناية والتنقيح

كان هناك نفر من الشعراء يأخذون أشعارهم بالعناية والتنقيح، وهم يسمون في مجال الأدب العربي "عبيد الشعر"، لأنهم يتكلفون اصلاحه بعد نظمه، ويشغلون به حواسهم ومشاغلهم.
فهذه الثلاثة هي خصائص الشعر الجاهلي اللفظية.

الخصائص المعنوية

وهناك عدة خصائص معنوية، وهي:

الأولى: الصدق

والصدق في الشعر هو أن يعبر الشاعر عما يشعر به حقيقة مما يختلج في نفسه، بقطع النظر عما إذا كانت الحوادث التي يذكرها قد وقعت أو لم تقع، أو كان مبالغًا فيها، كقول عمرو بن كلثوم:
ملأنا البر حتى ضاق عنا       وماء البحر تملؤه سفينا
نحن نعلم أن هذا غير صحيح، ولكن المهم هو أن الشاعر كان يشعر هذا الشعور فجاء هذا بيته صادقًا في التعبير عن شعوره.

الثانية: النزعة الوجدانية

إن الشعر الجاهلي وجداني في الدرجة الأولى، يصف نفس قائله وشعوره، فالشاعر في القديم إذا عرض لبحث موضوعي واقعي، كوصف الصيد والحرب أو كالحكمة والرثاء، فلونه بشعوره هو حتى ينقلب الموضوع الواقعي في شعره موضوعًا وجدانيًا.

الثالثة: البساطة

إن الحياة الفطرية والبدوية عوامل تتضافر على جعل الشخصية الإنسانية ساذجة بسيطة، وكذلك كانت البئة الجاهلية وكان أثرها في الشعر الجاهلي، فالشاعر الجاهلي يجري على طبعه وسجيته، فلم يتكلف القول فيما لم يشعر به، ولم يتكلف الاحاطة والشمول، ولا التخريج والتعليل، ولا التعقيد والمعاصاة في ما يشعر به.

الرابعة: القول الجامع

لقد مال العرب عموما والجاهليون خصوصًا إلى إستجماع القول، حتى كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامة، وحتى جعل الأقدمون يفتخرون بذلك، كقول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل       بسقط اللوى بين الدخول فحومل
قالوا في هذا البيت: انه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد.

الخامسة: الاطالة والاستطراد

كان من الممدوح أن تطال القصائد في العصر الجاهلي، فالشاعر في ذلك العصر كان طويل النفس، فيطيل القصائد، وهذا يسمى الإطالة، والاستطراد هو أن يخرج الشاعر من الموضوع الأساسي إلى موضوعات تتعلق به من قرب أو بعد.
وقد أثرت عن الجاهلية مقطعات، فقيل إن أكثرها كان في الأصل قصائد طوالا ثم نسي بعضها.

السادسة: الخيال

إن الشاعر الجاهلي كان بسيطًا فطريا كبيئته، فأدى ذلك إلى إتساع الخيال، فيحيط خيالاته البرق والمطر والسيل والنبات، ولكن هذا الخيال كان مملوءا من التشابيه والاستعارات أكثر من انتزاع الصور من الطبيعة.
وهذا كله مما يتعلق بخصائص الأشعار الجاهلية، وهناك أمر آخر، وهو أغراض الشعر الجاهلي، وخصائصه لا تتجلى إلا بعد ذكر أغراضه.

أغراض الشعر الجاهلي

والأغراض هي الموضوعات التي يتناولها الشاعر غرضا في قصيدته، وهى قاعدة الفن أن يذكر غرضه الرئيسي، وهو الذي يرمي إليه الشاعر، والغرض الرئيسي للشعر الجاهلي اثنان، وهما: الوصف والنسيب، ولكن الأغراض كثيرة، منها:

 وصف الإطلال:

يصف الشاعر الأطلال إذا يجيئ لزيارة جبيبته فيجد أهلها قد رحلوا بها عن المكان الذي عهدها أن تنزل فيه، فيقف على الطلل ويصف ما حوله و ينسب بالحبيبة ويتشوق إليها.

 ووصف الراحلة:

يصف الشاعر الراحلة أو المطية التي يركبها للوصول إلى الحبيبة أو الممدوح.

وصف الصيد:

ويصف الشاعر الصيد أيضًا في الجاهلية، والصيد كان يومذاك لسببين: إما طلبًا للمعاش، وإما طلبًا للهو.

وصف الطبيعة:

يصف الشاعر ما يراه في أثناء أسفاره من صحراء أو أودية أو مطر أو رياح أو نهر.
والوصف في كل شيء نوعان: خيالي وحسي.
فالوصف الخيالي هو الذي يعتمد فيه الشاعر على التشبيهات والإستعارات، ويحاول أن يستحضر الموصوف من الذاكرة، والوصف الحسي هو أن يصور الشاعر الموصوف.

الحماسة:

وهي وصف المعارك والفخر بالنفس أو بالأسلاف.

 الأدب:

والأدب أيضًا يسمى بالحكمة، وهى: ذكر آراء صائبة تصدق في الواقع أو توافق المنطق أو توجز النتائج الإختبار الطويل بألفاظ يسيرة، والأمثال على لسان الحيوان تدخل أيضًا في باب الحكمة، وكذلك التزهيد والمواعظ.

الغزل:

والغزل هو تعبير عن عاطفة أصلية في الإنسان أصالة الحاجة الجنسية فيه، التغزل الجاهلي كان في المرأة وحدها، وهو يجري مجرين: مجرى عفيفًا ومجرًا صريحًا، والغزل العفيف كان في البادية أكثر، وكان عفيف المعني وعفيف اللفظ، وقلما صرّح الشاعر المحب بإسم حبيبته في الشعر.

الفخر:

كان الشاعر يفتخر بقومه أولًا وبنفسه ثانيًا، ومقومات الفخر في الجاهلية كانت: شرف الأصل، وكثرة العدد، والشجاعة، والكرم وغير ذلك، ويزيد الفخر بالنفس على الفخر بالقبيلة.

المدح:

كان الجاهليون يمدحون بالمكارم التي كانو يفتخرون بها، والمدح في الجاهلية كان نوعين: مدحًا للشكر والإعجاب، وهو يغلب على أهل البادية، ومدحًا للتكسب، وهو يغلب على أهل الحضر.

الرثاء:

الرثاء في الحقيقة مدح الميت، ويتصل بالرثاء النواح، وهو الشعر الذي كانت تنوح به النساء على الميت، فأصبح فنًا وصناعة وحرفة.

 الهجاء:

كان الهجاء في الجاهلية نزعًا لتلك الصفات الحميدة عن المهجو وضمه بأضدادها: بضعة الأصل، وقلة عدد القبيل، وبالجبن والبخل، والهجاء كان أيضًا نوعين: هجاء قبليا، وهو الأكثر والأشهر، وهجاء شخصيًا، وهو الأقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق