الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

الوصايا في العصر الجاهلي



تعريف الوصايا


الوصايا: جمع وصية، وإشتقاقها من: وصيت الشيء إذا وصلته، سميت بذلك لأن الموصي وصل ما قبل الموت بما بعد الموت.
والوصايا هي التي يوصيك بهِا الشّخص لتفعلها وتكون على عاتِقُك، بحيث أنّ الشخص الذي أوصاك لا يستطيع فعلهُ بسبب مرض مزمن قد يؤدّي إلى الموت، أو أنّ يكتب ورقة وصيّة مثلاً بعد موتهِ يوصّي بأن يفعلَ الموصى بهِ شيئاً كتوزيع الأموال، والتبرُّع، حسب ما هي الوصيّة بحيث يصبح الموصى بهِ هو المسؤول عن الشيء الذي أوصى بهِ المتوفِّي، ويجب عليهِ أن يفعلها .
ويمكن إلحاق الوصايا في العصر الجاهلي بالحكم والأمثال لتضمنها كثيراً من تلك الأقوال الموجزة النابغة من التجربة، حتى لكان الوصايا أحياناً قائمة على جملة من الحكم والأقوال المأثورة.


أشهر الأسماء في فن الوصايا

وتروى هذه الوصايا عادة على ألسنة طوائف من الحكماء والمعمرين، الذين عرفوا بكثرة تجاربهم وخبرتهم في الحياة، من أمثال: ذي الإصبع العدواني، وزهير بن جناب الكلبي، وعامر بن الظرب العدواني، وحصن بن حذيفة الفزاري.
ومن النساء: أمامة بنت الحارث.
ويغلب على الظن أن هذه الوصايا جميعاً رويت بالمعنى، ولكنها لا تخلو من بعض العبارات الأصلية المحفوظة، ولاسيما في الوصايا القصيرة. وهي - مع ذلك - تقدم صورة عن هذا الفن النثري، لأن من رووها أو حفظوها قد راعوا أصوله وتقاليد.

أنواع الوصايا

وما وصل إلينا من تلك الوصايا بعضه موجه إلى الأبناء والبنات، وبعضه الآخر موجه إلى أفراد من القبيلة. أما من حيث الموضوع والمضمون؛ فيمكن تقسيم الوصايا إلى نوعين:

الأول: وصايا اجتماعيةَ

وهي كالوصايا المتعلقة بالزواج، والمال، والصداقة، والعناية بالخيل وإكرامها، ومكارم الأخلاق كتهذيب اللسان، وتربية النفس، والحث على الصدق، والبذل والجود.. ومن شواهدها وصية ذي الإصبع العدواني - لما احتضر - لابنه أسيد.

الثاني: وصايا سياسية

وهي تكون بين الراعي والرعية، والدعوة إلى الحرب، والدعوة إلى السلم والتحذير من التنازع. والطابع العام للوصايا هو الأسلوب المرسل، الذي يترك فيه الموصى نفسه على سجيتها، من دون تنميق أو زخرفة، مؤثراً وضوح العبارات، ورشاقة التراكيب، وقصر الجمل بما يحقق المناسبة بين المعنى واللفظ وطبيعة المقام الذي تقال فيه الوصية.

خصائص الوصايا

تكشف الوصية عن أن الجاهلين كانوا يعنون بتنميق أسلوبهم في الوصايا حتى يكون له وقع جميل، ويكون هذا عاملاً مساعداً على الإصغاء إلى الوصية ثم التأثر بها، ونرى الوصية تلتزم السجع، وتعني بالازدواج، والطباق، والجناس أما السجع فواضح في الوصية.
ولا نشك أن الأم قد أعدت الوصية في نفسها قبل مواجهة ابنتها، وتكشف الوصية عن عقلية ناضجة متفتحة، وأم خبيرة بنفسيات الرجال وهي أيضاً ذات نظرة شاملة تستطيع أن تحيط بالجوانب المتعددة.
وتكشف الوصية أيضاً عن بعض الأخلاق السائدة في ذلك المجتمع، وتعطينا صورة عن احترام المرأة للرجل وطاعة المرأة لزوجها، ووفاء الزوج لزوجته ما أطاعته ورعت ما يجب عليها رعايته.
وتكشف الوصية عن أن الأم كانت توصي ابنتها قبل الزواج وتعطيها خلاصة تجاربها.

بعض نموذج من وصايا العرب

وصية زهير بن جناب الكلبي:

أوصى زهير بن جناب الكلبي بنيه قال: يا بني قد كبرت سني وبلغت حرضاً من دهري، فأحكمتني التجارب والأمور تجربة واختبار. فاحفظوا عني ما أقول وعوه إياكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب، فإن ذلك داعية للغم وشماتة للعدو، وسوء الظن بالرب، وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنه ما سخر قوم قط إلا ابتلوا، ولكن توقعوها، فإن الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة، فمقصر دونه ومجاوز لموضعه، وواقع عن يمينه وشماله ثم لا بد أن يصيبه.

وصية سحبان بن وائل:

إن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار، أيها الناس فخذوا من دار ممركم إلى دار مقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم. وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها حييتم، ولغيرها خلقتم. إن الرجل إذا هلك.. قال الناس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدم؟ فقدموا بعضاً يكون لكم، ولا تخلفوا كلاً يكون عليكم.

وصية عمرو بن كلثوم:

جمع عمرو بن كلثوم بنيه حينما حضرته الوفاة، وكان قد عاش مائة وخمسين سنة، فقال:
"يا بَنيَّ، قَدْ بَلغْتُ منْ العُمَرِ ما لمْ يَبْلغْهُ أحدٌ منْ آبائي، ولا بدَّ أنْ يَنْزلَ بي ما نَزلَ بهم منَ الموْتِ. وإني واللهِ ما عيّرتُ أحداً بشيءٍ إلا عُيِّرتُ بمثْلهِ، إنْ كانَ حقاً فَحقا، وإن كانَ بَاطلاً فبَاطلا، ومنْ سَبَّ سُبَّ. فكُفُّوا عنِ الشتّمِ، فإنّهُ أسْلمُ لَكمْ، وأحسِنوا جِوارَكمْ، يحسنْ ثناؤُكم، وإذا حُدِّثْتم فَعوا، وإذا حَدثْتم فأوْجِزوا، فإن مع الإكثارِ تكونُ الأهْذار.
أشجعُ القَومِ العَطوفُ عندَ الكرِّ، كَما أن أكرمً المنايا القتلُ، ولا خيرَ فيمن لا رَويّة لهُ عندَ الغضَبِ، ولا منْ إذا عُوتبَ لم يُعْتِبْ، ولا تَتزوجوا في حيِّكم، فإنّه يودي إلى قُبْحِ البُغْضِ".

وصية ذو الإصبع العدواني:

وأوصى ذو الإصبع العدواني، لما حضرته الوفاة، ابنه فقال :"يا بُني، إن أباكَ قد فَنِيَ وهوَ حيُّ، وعاشَ حتَى سَئِمَ العَيشَ. وإنِّي مُوصيكَ بما إنْ حفظْته بَلغتَ في قَوْمكَ ما بَلغتُه: ألِنْ جانبَك لقَومك يُحبُّوكَ، وتَواضعْ لهُمْ يرفَعوكَ، وابسُطْ وجْهَكَ يُطيعوكَ، ولا تستأثْر علَيهمْ بشيءٍ يسوِّدوكَ، وأكْرِم صغارَهُمْ كَما تُكْرمْ كبارَهُمْ، يُكْرمكَ كبارهُم، ويَكبُرْ على مودَّتكَ صِغارَهُمْ، واسْمحْ بمالكَ، وأعززْ جارَكَ، وأعنْ من اسْتعانَ بِكَ، وأكرم ضَيفكَ، وصُنْ وجهكَ، عنْ مسألِة أحدٍ شيئاً، فَبذلِكَ يَتمُّ سُؤْدُدُكَ".

وصية أعرابية لولدها:

أوصت أعرابية ولدها قالت: أي بني إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة فتفرق بين المحبين، وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ عرضاً. وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام، وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كَلَمَته حتى يهي ما اشتد من قوته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. وإذا هززت فاهزز كريماً يلن لهزتك، ولا تهزز لئيماً فإن الصخر لا ينفجر ماؤها. ومثل لنفسك مثال استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه. ومن كانت مودته بشر وخالف ذلك منه فعله، كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، والغد أقبح ما تأمل به الناس بينهم.

هناك 17 تعليقًا:

  1. لو سمحت منو أريد اسم المؤلف لو سمحت

    ردحذف
  2. كل الشكر والامتتنان🙏

    ردحذف
  3. الردود
    1. لا شكر على واجب ولكن لست التي وضعت الجواب

      حذف
  4. 🙂🙂🙂😒😒😒😒😒😒😒😒😒😒😒😒

    ردحذف
  5. معلش انا عايزه وصايه في النثر الجاهلي ممكن حد ينصحني بكتاب ابحث عنه

    ردحذف
  6. اولا شكرا لمجهودك و ثانيا ما في شي عن الوصايا الفكرية تابع للموضوع ذاته

    ردحذف
  7. ممكن اسم الكتاب اللى منو الموضوع ده

    ردحذف