الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

تطور الخطابة في العصر الجاهلي

بسم الله الرحمن الرحيم

النثر وأنواعه

النثر هو كلام لايتقيد بالوزن ولا القافيه، اختيرت الفاظه، وانتقيت تراكيبه، واحسنت صياغة عباراته بحيث يؤثر في المستمع عن طريق جودة صنعته، فهو يختلف عن الكلام العادي الّذي يتكلم به النّاس في شؤونهم العادية.

انواع النثر

والنثر الجاهلي له أنواع، وهي:
الخطابة
الامثال
الحكم
الوصايا
القصص
سجع الكهان
والخطابة هي التي أبحث عنها من بين هذه الأنواع، وما سواها ليس هو مجال هذه المقالة.

الخطابة

الخطابة كلام جيد المعاني متين الاسلوب مؤثر في من يستمع اليه يخاطب به جمهور من الناس بهدف استمالته الى راي معين او اقناعه بفكرة او ارشاده الى طريق يسير فيه او منعه من الانحراف في ضلالة.
الخطبة يزاد بها الترغيب فيما ينفع وعما يضر، تكون على ملأ من الناس في المجامع والمواسم[1].

تطور الخطابة في العصر الجاهلي

إن تاريخ الأدب العربي يدل دلالة على أن للعرب مساهمة كبيرة في الخطابة، ودورا بارزا في ازدهارها وتطورها، وكل شئ كان عندهم يؤهلهم لهذا الازدهار، وأنهم استخدموا الخطابة في ميادين مختلفة لأغراض متنوعة كالمنافرات والمفاخرات بالاحساب والانساب، والمآثر والمناقب، والمنازعات والخصومات بينهم، والدعوة الى الحرب والصلح، والمجالس والأسواق، وساحات الأمراء، لاظهار براعتهم وتفننهم في المقال وحوك الكلام، واسعفتهم في ذلك ملكاتهم البيانية، وما فطروا عليه من خلابة، فيكتب الأديب الأريب الجاحظ عن الخطابة في العرب:  وكل شئ للعرب فانما هو بديهة وارتجال، وكأنه الهام، وليست هناك معاناة ولامكابدة ولااجالة فكرة ولا استعانة، وانما هو أن يصرف وهمه الى الكلام...عند المقارعة او المناقلة او عند صراع أو في حرب، فماهو إلا أن يصرف وهمه الى جملة المذهب، والى العمود الذي اليه يقصد، فتاتيه المعاني ارسالا وتنثال عليه الالفاظ انثيالا... وكان الكلام الجيد عندهم أظهروأكثر، وهم عليه أقدر، وله أقهر، وكل واحد في نفسه أنطق، ومكانه من البيان أرفع، وخطباءهم للكلام أوجد، والكلام عليهم أسهل، وهو عليهم أيسر... من غير قصد ولا تكلف ولاتحفظ ولا طلب[2].

مميزات الخطبة الجاهلية

تجري الخطبة الجاهلية بجريانه مع الطبع
ليس فيها التكلف ولا الزخرف ولا الغلو
تسير مع أخلاق البدوي وبيئته
الخطبة الجاهلية هي قوية اللفظ
وهي متينة التركيب
وهي قصيرة الجملة
وأساليبها هي موجزة
وهي قريبة الإشارة
وهي قليلة الإستعارة
وهي سطحية الفكرة
وفيها كثرة الحكم والأمثال
وتمتاز بتنوع الموضوعات
وقد أستخدم فيها السجع
وفيها كثرة التكرار

مكانة الخطباء في العصر الجاهلي

الخطيب له مكانة ومنزلة تتجاوز منزلة الشاعر، وذلك لان الشاعر قد يتكسب بشعره كما يفعل النابغة والمتلمس وطرفة والاعشى، واما الخطيب فانه لا يقول خطبته الا في الدفاع عن القبيلة او تبيين حقوقها، فالخطيب لا يتكسب بخطبته كما يفعل الشاعر.
ومن الخطيب لا يتصدى للخطابة الّا من ملك زمام الفصاحة، وكان ثابت الجنان حاضر البديهة، ويمدح الخطيب بجهارة الصوت، وكثرة الريق، وعدم التلفت، ويعاب بالتنحنح والارتعاش، والحصر والعي، والتعثر في الكلام، ومن عادة الخطيب ان يخطب واقفا او يخطب وهو على راحلته واذا خطب واقفا اختار مرتفعا من الارض وإتّكا على عصا، ومن عادة الخطيب ان يضع العمامة على راسه.

الخطباء البارزون في العصر الجاهلي

هاشم بن عبد مناف:

وهو عمرو بن عبد مناف، وقيل: اسمه المغيرة بـن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالـب بن فهر بن مالك بن النظر بن كنانة بن خزيمة بـن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بـن معـد بـن عدنان.
ويكنى بأبي نضلة.
سمي بهاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه في شدة المحل، إذ قيل : " كان هاشم بن عبد مناف ...قد أتى الشام فأقام به حيناً ثـم أقبل منه يريد مكة، ومعه الغرائر مملوءة خبـزاً قـد هشمه، ومعه الإبل تحمل الغرائر، حتى قدم مكة، وذلك في سنة شديدة قد جاع فيها النـاس، وهلكـت فيهـا أموالهم وأنفسهم، فعمد هاشم إلى الإبل التـي كانـت تحمل الغرائر فنحرها، و أقام الطهـاة فطبخـوا، ثـم أخرج الخبز الهشيم فملأ منه الجفان، ثم أمر بالقـدور فكُفئت عليها، فأطعم الناس : أهل مكة وغيرهم، فكـان ذلك أول خصبهم، فقال رجل من قريش، وهو حذافـة بن غانم العدوي: عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف، وقد ولي هاشم بعد أبيه عبد مناف ما كان إليـه مـن السقاية والرفادة، وكـان هاشم يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمـزم من قبل أن تحفر، يستقى فيها من البئار التي بمكـة، فيشرب الحاج، وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل يـوم التروية بيوم بمكة وبمنى، والماء يومئذ قليل، إلى أن يصدر الحاج من منى، ثم تنقطع الضيافة و تتفـرق الناس إلى بلادهم.
وقيل: هو أول من سنّ الرحلتين : رحلة إلى الحبشة، ورحلة إلى الشام.
توفي هاشم في أثناء خروجـه إلى غزة، فمرض بها ومات، فدفنـه أصـحابه فيهـا، ورجعوا بتركته إلى ولده.

عبد المطلب بن هاشم:

وسمي بـ "شيبـة الحمد".
و إنما قيل له: عبد المطلب؛ لأن أباه هاشماً شخــص فـي تجارة إلى الشام فنزل على عمرو الخزرجي فـي المدينة، فرأى ابنته سلمى فتزوج بها، وشرط أبوهـا أن لا تلد ولداً إلا في أهلها، فولـدت سـلمى عبـد المطلب، وهاشم قد رحل إلى الشام ومـات بغـزة، وظل شيبة عند أخواله سبع سنين، حتى سمعه رجل من بني الحا رث يقول: أنا ابن هاشم سيد البطحاء، فأخبر المطلب بن عبد مناف عند عودته إلى مكة، فذهب المطلب وجاء به على عجز ناقتـه، فجعـل الناس يقولون من هذا وراءك ؟ فيقول هذا عبـدي حتى أدخله بيته، و ألبسه حلة جديدة، ثم أخرجه فـي العشي إلى عبد مناف فأعلمهم أنه ابن أخيه، فقيـل له: عبد المطلب لقـول المطلـب عنــه : هـذا عبدي . ثـم أوقفـه عمـه على ملـك أبيــه فسلمـه إليـه . وكان لعبد المطلـب الـسقاية، و الرفادة، وشرف قومه، و أُثر عنه أنه حفـر بئـر زمزم التي دفنتها جرهم على أثر رؤيا، وأتته فـي منامه مراراً . وقد نقلت كتب الأخبار رواياتٍ عـن منافرات بين عبد المطلب و حرب بن أمية، بيد أنّها لم تنقل لنا نصوصاً عن لسان عبد المطلب في هذا الشأن، ومنها منافرته مع حرب التـي احتكمـا فيها إلى النجاشي ملك الحبـشة، فـأبى أن يـدخل بينهما.

أبو طالب بن عبد المطلب:

اسمه عبد مناف بن عبد المطلب، منهم من رأى أن اسمه عمران، وقيل: شيبة، ومنهم من قال: إن كنيته اسمه.
وكان حـامي الرسـول وناصـره، كفـل الرسول (ص) بعد وفاة أبيه عبد المطلب فكان خيـر كافل، وكان أبو طالب سيداً شريفاً مطاعاً مهيبـاً على إملاقه، هو من خطباء قريش وعقلائها، ولـه تجـارة كسائر قريش.
زوجتـه فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أولاده جميعـاً، أدركـت الإسلام و أسلمت. ربّت الرسول الكـريم (ص) مـع أولادها، قال (ص) فيها عند وفاتها : " اليوم ماتـت أمي".
نَاصر الرسول (ص) في دعوته إلـى االله، وحماه من غضب قريش حين همّ سادتها بقتله . وقـد أُختُلف في إسلامه: فمنهم من يرى أنه امتنـع عـن الإسلام حين دعاه الرسول (ص) له خوفـاً مـن أن تعيره العرب بتركه دين آبائه، ووعد الرّسول بنصرته وحمايته دوماً، ومنهم من يرى أنه أسـلم فـي سرّه وكتم إسلامه حرصاً على الرسول، ليتسنى لـه حمايته من مشركي قريش.
ولـد ومـات فـي مكة.
توفي في النصف الثاني من شـوال فـي السنة العاشرة من النبوة، وهو ابـن بـضع وثمـانين سنة.
ينسب إليه مجموع شعر صـغير "ديـوان شيخ الأباطيح أبي طالب".

قيس بن ساعدة الايادي

نسبه إلى قبيلة إياد: قُسُّ بن ساعدة بن حُذَافة بن زُفر بن إياد، وقيل: قُسُّ بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك بن ايدعان بن النمر بن وائلة بن الطمثان بن عوذ مناة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد.
وهو ممن يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب، كما روى الطبري أن رسول الله  قال: "رحم الله قسا! إنه كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم". رآه النبي قبيل البعثة يخطب في الناس في سوق عكاظ، وسأل عنه وفدَ إياد يوم فتح مكة فأخبروه أنّه مات.
إنه أوّل من خطب متئكا على عصا، وأول من كَتَب: "من فلان إلى فلان"، وأول من قال: "أما بعد"،  وأول من قال: "البينة على مَنْ ادَّعَى واليمينُ عَلَى من أنكر".
وكان يفد على قيصر من حين إلى حين فيكرمه، ولكنه صدف عن الدنيا وعاش على الكفاف يعبد الله ويعظ الناس حتى توفي سنة ستمائة من الميلاد، وقد عمر طويلا.

عمرو بن معديكرب الزبيدي

ابو ثور عمرو بن معد يكرب الزبيدي المذحجي.

كان أحد صحابة محمد  ، بعد وفاة النبي محمد   ارتد عمرو بن معد يكرب، ثم رجع إلى الإسلام وحسن إسلامه، وهو شاعر وفارس اشتهر بالشجاعة والفروسية حتى لُقِبَّ بفارس العرب، وكان له سيف اسمه "الصمصامة", وقد شارك في معارك الفتح الإسلامي في عهد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب في الشام والعراق وشهد معركة اليرموك والقادسية.
وكان عمرو بن معد الزبيدي طويل القامة وقوي البنية وحتى إن عمر بن الخطاب قال فيه: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرواً تعجبا من عظم خلقه
قاتل عمرو في معركة نهاوند اشد قتال حتى كثرت جراحاته، فظفر بالشهادة، وكان ذلك في زمان أواخر عمر بن الخطاب، سنة 643م.

بعض نماذج من الخطبات الجاهلية

خطبة هاشم بن عبد مناف

في حث قريش على رفادة الحجيج وسقايتهم:
يا معشر قريشٍ! أنتم سادةُ العرب، و أحسنُها وجوهاً، و أعظمها أحلاماً، و أوسطُها أنساباً، و أقربها أرحاماً، يا معشر قريش! إنكم جيران بيت الله، أكرمكم بولايته، و خصكم بجوارِه دون بني اسماعيل، وحفظ منكم أحسن ما حفظ  جار من جارِه، فاكرِموا ضيَفه  وزوار بيتِه، و إنَّه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظِّمون حرمة بيته، فهم لذلك ضيفُ الله، و أحقُ ضيف بالكرامة ضيفُ الله، فإنَّهم يأتونكم شُعثاً غُبراً من كلِّ بلد على ضوامر كالقِداح، و قد أرجفُوا وتَفلوا وقملوا و أ رملوا فاقروهم وأعينوهم، فوربّ هذه البنية، لو كان لي مالٌ يحمل ذلك لكُفيتُموه، ألا وإني مخرِج من طيبِ مالي وحلالِه ما لم تُقطع فيه رحم، ولم يؤخذ بظُلم، ولم يدخل فيه حرام، فواضعه، فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألُكم بحرمة هذا البيت ألَّا يخرِج منكم رجل من ماله لكرامة زوار بيت الله و معونتهم إلا طيباً لم يؤخذ ظُلماً، ولم تُقطع فيه رحم ولم يغَتصب".

خطبة عبد المطلب بن هاشم

في الإستسقاء:
اللهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت عالم غير معلم، ومسؤول غير مبخل، وهذه عبداؤك، وإماؤك، بعذرات حرمك، يشكون إليك سنتهم، التي أكلت الظلف والخف، اللهم أمطرنا غيثا مريعا، مغدقا، سحا، طبقا، دراكا.

خطبة أبي طالب بن عبد المطلب

في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة:
الحمد لله الذي جعلنا من ذريّة إبراهيم، و زرع إسماعيل، و جعل لنا بلدًا حرامًا و بيتًا محجوجا، و جعلنا الحكّامَ على النّاس، ثمّ إنّ محمّدَ بنّ عبدِ الله من لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح عليه برًّا و فضلا و كرما و عقلا و إن كان في المال قُلٌّ، فإنّ المال ظلٌّ زائلٌ، و عارية مسترجعة، و له في خديجة بنتِ خويلدِ رغبة، و لها فيه مثل ذلك و ما أحببتم من الصداق فَعَلَيَّ.


خطبة قس بن ساعدة الإيادي

في سوق عكاظ:
أيها الناس! اسمعوا وعوا، إنه من عاش ماتْ، ومن مات فاتْ، كل ما هو آتٍ آتْ، ليل داج، ونهار ساج، وسماء دات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون، ولا يرجعون، أَرَضُوا فأقاموا، أم تُركوا فناموا، يامعشر إياد! أين الأباء والأجداد؟ وأين الفراعنة الشّداد؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالا، وأطول منكم أجالا؟ طحنهم الدهر بكلكله، ومزقهم بتطاوله.







[1] أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، 18-19.
[2] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، 1/410

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق